الأخبار
إنتبه!!! خريطة العالم .. في طريقها إلى التغيير
إنتبه!!! خريطة العالم .. في طريقها إلى التغيير
بقلم دكتور يحيي خيرالله
(1)
تُعرف الحرب بأنها نزاع مسلح بين دولتين أو كيانين غير منسجمين، والجدير بالذكر أن هذا التعريف لم يعد وافيا شاملا، فالحرب ليست بالسلاح فقط، على تعداد أشكالها ومسمياتها، بل حرب بالوكالة.. اقتصادية ونفسية.. الخ، لأن الهدف منها دوما تحقيق أهداف تؤدي إلى إعادة هيكلة الجغرافية السياسية؛ المرجو منها تحقيق أهداف أعد لها سياسيا وعسكريا واقتصاديا، ولأن الحرب ليست بالقرار السهل، والخروج منها أصعب كما عهدنا ذلك في الحرب العالمية الثانية والتي كانت سببا في مقتل الملايين من البشر دون ذنب اقترفوه، وعلى الرغم من تأسيس الأمم المتحدة لغرض إنهاء الحروب وتحقيق السلام في العالم ، إلا أنه ومنذ ذلك التاريخ لم تتوقف الحرب، بل أصبحت تنقل على الهواء مباشرة مثل مباريات كرة القدم.
لم تبذل الأمم المتحدة التي عقدت عليها الآمال منذ نشأتها جهدا يستحق الثناء لإنهاء الحرب والاستيطان والعنف والحد من الصراع في مناطق عدة من العالم مع أن أهداف وجودها وإنقاذ العالم من ويلات الاستيطان والحرب والحفاظ على السلم والأمن الدوليين عن طريق اتخاذ تدابير جماعية فعَّالة لمنع وإزالة الأخطار التي تهدد السلام ، ومع أننا لا ننكر أن هذه الهيئة الدولية مجرد وجودها هو إنقاذ العالم من ويلات الاستيطان والحرب والحفاظ على السلم والأمن الدوليين عن طريق اتخاذ تدابير جماعية فعَّالة لمنع وإزالة الأخطار التي تهدد السلام ؛ وحتى نكون منصفين كان مجلس الأمن التابع لها والمكون من الدول الكبرى يقوم بدور الممتص للصدمات، وإن كان أحيانا بعض أعضاءه المتسبب الرئيسي في إثارة المشاكل مستغلا مكانته في حق الاعتراض – الفيتو-، فنمت التناقضات والخلافات وجاءت دول العالم لتقف أمام سيناريوهات التجويع وبخ سم النزاعات والتوترات والانقلابات السياسية في دول أقل ما يقال عنها أنها لم تستفق بعد من كابوس الاستعمار فوقفت موقف المغشي عليه يستفيق هلوعا بين الفينة والأخرى من وقع الكارثة، ومع كل هذه الخيبات بقي العالم يتطلع لأن تلعب الأمم المتحدة دورها الحقيقي في إخماد الصراعات والحياد في تناول القضايا وعدم الكيل بمكيالين، وألا تستخدم دول مجلس الأمن حق "الفيتو" حسب الأهواء الشخصية فمصير البلدان لا يخضع للهوى .
فتكاثرت المشاكل وبسطت مساحة لا يستهان بها من الصراعات لتطفو على السطح حرب باردة تقودها القوى المُسيطرة على العالم والممثلة في مجلس الأمن ، فانقسمت هذه الهيئة المقررة والمسيطرة من الكبار إلى فريقين وكل فريق منهما يسعى نحو تحالفات اقتصادية وعسكرية للسيطرة على الفريق الآخر بل والعالم برمته، فريق على رأسه الولايات المتحدة الأمريكية والدائرون في فلكها ، وفريق يضم الصين وكوريا الشمالية وروسيا " الثالوث المرعب " لما حققوه من تصاعد غير مسبوق عسكريا واقتصاديا ضمن بيئة متوترة بالصراع مدركين تماما مطامع الفريق الآخر.
ولنا أن نتساؤل هنا:
- هل لنا أن نقول في سياقات آتية أن العالم بتناقضاته يؤسس لنظام دولي جديد؟!
- وخريطة جيوسياسية جديدة تؤثر في مجرى السياسات الدولية!!؟ بتدشين تحالفات إقليمية أقل ما يقال عنها أنها النواة التي ستدير الصراع في الحرب الباردة الجديدة التى ربما تتحول دون قصد إلى مواجهة لا يُحمد عقباها؟؟!!! فقد عملت الولايات المتحدة الأمريكية منذ زمن بعيد، وبسعي حثيث على تحجيم النفوذ الصيني وكبح مسار التقدم العسكري الكوري الشمالي، فتكاثرت المشاكل وبسطت مساحة لا يستهان بها من الصراعات لتطفو على السطح حرب باردة تقودها القوى المسيطرة على العالم والممثلة في الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والعملاقان اللذان حققا تصاعدا غير مسبوق عسكريا واقتصاديا وهما الصين وكوريا الشمالية. لعبت الولايات المتحدة الأمريكية دور المحرك الرئيسي في الأزمة بين روسيا العدو اللدود لها وأوكرانيا الابن بالتبني، من خلال تلميح أوكرانيا دوما الانضمام لحلف الناتو لإثارة المشاكل وزعزعة الاستقرار والأمن في أوروبا الشرقية ، مما دفع روسيا إلى القيام بعملية عسكرية ضد أوكرانيا تبث على الهواء مباشرة، على مرأى ومسمع من الأمم المتحدة التي لا حول لها ولا قوة إلا على الدول الصغيرة .. وهو ما يجعل الحرب تستمر لتستنزف موارد الغرب وأمريكا بل والعالم، فإطالة مدة الحرب أظنها عن قصد من الرئيس بوتن، فالمعهود عن أمريكا أنها تشعل نار الحرب وتصرخ باكية مستبكية، إلى أن هذه المرة كان الأمر مختلفا لأنها لم تتوقع مواجهتها لخصم عنيد يجيد نفس المناورات وبنفس الطرق ويملك نفس الحيل إن لم تكن تلك الحيل أكثر تفوقا. ولعل الآثار المترتبة عن الصراع الروسي الأوكراني يعيدنا إلى فكرة التحالفات وكشف المستور ، فبينما الولايات المتحدة تتصدر قيادتها للغرب وبعض الدول الذليلة في مواجهة روسيا التي تجابه العالم وهي تكسب تضامن كل من كوريا الشمالية والصين وسوريا وبيلاروسيا وبعض البلدان على استحياء ، وبعيدا عن الآثار العسكرية التي ستعيد تغيير خريطة العالم إلى ما لا يعلمه إلا الله . وحسب تقرير صندوق النقد الدولي فإن هذا الصراع العالمي المسلح سيؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد العالمي بأكمله و سيشعر العالم بآثار تباطؤ النمو وزيادة سرعة التضخم، وذلك من خلال ثلاث قنوات رئيسية. أولا: - ارتفاع أسعار السلع الأولية كالغذاء والطاقة وهو ما سيدفع التضخم نحو مزيد من الارتفاع، مما يؤدي بدوره إلى تآكل قيمة المداخيل وإضعاف الطلب. ثانيا:- الاقتصادات المجاورة بصفة خاصة و التي ستنتهج مسار تصارع الانقطاعات في التجارة وسلاسل الإمداد وتحويلات العاملين في الخارج كما ستشهد طفرة تاريخية في تدفقات اللاجئين. ثالثا:- تراجع ثقة مجتمع الأعمال وزيادة شعور المستثمرين بعدم اليقين سيفضيان إلى إضعاف أسعار الأصول، وتشديد الأوضاع المالية، وربما التحفيز على خروج التدفقات الرأسمالية من الأسواق الصاعدة. ومع التنويه بأن روسيا وأوكرانيا من أكبر البلدان المنتجة للسلع الأولية، فقد أدت انقطاعات سلاسل الإمداد إلى ارتفاع الأسعار العالمية بصورة حادة، ولا سيما أسعار النفط والغاز الطبيعي، وشهدت تكاليف الغذاء قفزة في ظل المستوى التاريخي الذي بلغه سعر القمح، حيث تسهم كل من أوكرانيا وروسيا بنسبة 30% من صادرات القمح العالمية. وفي ظل هذه المتناقضات تحاك مؤامرة يعتبرها بعضهم مشروعة سياسيا ومبررة ، حتى أن الأمر أوصلهم إلى إعلان التحالفات وإلباسها ثوب التنمية وبناء البنية التحتية ، ويمثل هذا الفريق الرئيس بايدن الذي دائما ما يبرر ذلك وهو يلقي بضلاله أمام الجمعية العامة في هيئة الأمم المتحدة و في مختلف المحافل الدولية القاضية بأنه في سياق نهج مسار الحياد في العلاقات الدولية عموما وهنا يطفو على السطح الجانب المستتر من سياسة أمريكا وهي تؤسس لحرب باردة بينها وبين الثالوث المرعب: الصين، روسيا، وكوريا الشمالية. إذ يعتبر تصاعد النفوذ العسكري للصين وروسيا وكوريا الشمالية في المنطقة الآسيوية مدعاة للقلق وإن لم تفصح عنه خبايا زيارة بايدن الاخيرة لقارة آسيا، إلا أن مزاعم أمريكا في تقربها من دول آسيا المحورية والتي كانت على خلاف تاريخي جسيم مع بعضها خلفت توتراته الحرب العالمية الثانية والقصد هنا اليابان وكوريا الجنوبية في محاولة جمع شمل دبلوماسي اقتصادي تحت لواء معاهدات التحالف بين الجمهورية الكورية وإمبراطورية اليابان ماهو إلا ذريعة لتمكينها من التواجد في المنطقة وحتى تحقق إدارة بايدن ثقلا موازيا أمام النفوذ العسكري والاقتصادي المتزايد للصين وروسيا وكوريا الشمالية دفعت سيؤول نحو الانضمام إلى تحالف كواد. ذلك التحالف الذي حاول الرئيس بايدن الاستثمار فيه في ظل مناورة سياسية تفي بتوحيد قطبي الصراع بين طوكيو وسيؤل وفي مبادرة لإنهاء الخلاف المتأصل الجذور في تاريخ الدولتين وهو استعمار اليابان لكوريا وما نجم عنه من توتر العلاقات وبتر أي تواصل دبلوماسي لفترة من الزمن أسست الإدارة الأمريكية أهدافا مهمة لزيارة بايدن مفادها وحدة الرؤى بين القطبين المتناحرين عندما بارك تنصيب رئيس جديد لكوريا الجنوبية ورئيس وزراء جديد لليابان، فوميو كيشيدا، وما عزز هذا التلاحم الدبلوماسي استفحال التشدد العدائي تجاه كوريا الشمالية وروسيا والصين، بالمقابل لم تنفي واشنطن رغبتها الجامحة في تحقيق علاقات عسكرية واقتصادية مع دول تتضارب معها في المواقف في كل من إفريقيا وآسيا وعلى وجه الخصوص روسيا وهي بالفعل مفارقة عجيبة.
- المحاولات الأمريكية للهيمنة على الثالوث المرعب : - عندما يذكر تحالف كواد لابد لنا من طرح تساؤل: ما الهدف والمغزى من هذا الاتفاق و مبادئ إبرامه والأهداف التي أسس لتحقيقها مستقبلا والتي لم يجسد منها شيء على أرض الواقع؟ تحالف الحوار الأمني الرباعي يضم أستراليا واليابان والهند، نشأ عام 2004 بعد كارثة تسونامي الهدف الضمني منه هو التصدي لأي تفوق صيني في إقليم آسيا و ظاهره معاملات سياسية وشراكات اقتصادية تكتسح التجارة الدولية الأمريكية فيها العالم وتسيطر على آليات تسيير الثروات فيه حتى تمحق التفوق الاقتصادي الصيني و تثبت عثراته أمام قوة سيادته الاقتصادية في العالم. لذا كان لزاما علينا التنويه بشيء مهم وهو كلما سعت الإدارة الأمريكية إلى إنشاء تحالف مع القوى الاقتصادية الصاعدة والسياسية القوية يكون ذلك لتعزيز علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع الدول الثلاث استراليا واليابان والهند والتي تمتلك اقتصاديات قوية يستفيد منها الاقتصاد الأمريكي ولو نسبيا وتحديدا بعد جائحة كورونا التي اكتسحت العالم ومنها أكبر الدول بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية و التي كانت كقريناتها على مشارف مستنقع الإفلاس والأزمات. عندما عقد التحالف الرباعي قمته الافتراضية الأولى في منتصف مارس الماضي، وعقد قمته الأخيرة في البيت الأبيض كان البارز في جدول الأعمال هو مواجهة تداعيات جائحة كورونا من طوارئ صحية وأزمات اقتصادية على المستوى العالمي، أما ظاهره الملوح في الأفق فكان الموقف المشترك بين دول التحالف الرباعي ضد الصين وما جاورها: روسيا وكوريا الشمالية وإن كانت مباركة الهند للموقف المعادي للصين معلن عنها لتوتر العلاقات الهندية الصينية حول مسألة الحدود وعدم استحسان مبادرة الحزام والطريق إلا أنها لا تريد الاصطدام بها في ظل تداخل المصالح الاقتصادية والعلاقات التجارية للبلدين. بالمقابل تمكنت بكين من إقامة تحالف صلب مع كوريا الشمالية أثارت مخاوف اليابان ليس لأنها خسرت سنة 2014 الموقع الذي كانت تحتله منذ 1968 كثاني اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة، بقدر ماهو تخوف حول التهديدات الأمنية التي يمكن أن تحدثها الصين بتحركاتها العسكرية في المنطقة بعد تحالفها مع كوريا الشمالية في ظل تطورها السريع في صناعات الدفاع الوطني وهو أمر جعل اليابان تبطئ خطى المواجهة المباشرة مع الصين وعدم مجازفتها بالانصهار في مخططات أمريكية و التي لا يؤمن مرماها. ففي تتبعنا لسياسة الإدارة الأمريكية وبقيادة الرئيس بايدن تلازمنا دائما فكرة تعزيز التحالفات السياسية والعسكرية والشراكات الاقتصادية وهو أمر يفسره فقدان أمريكا للعديد من المناطق المتنازعة مثل انسحابها من أفغانستان والمواجهة الشرسة مع كوريا الشمالية وكذا أزمة الاتفاقية الأمنية بين أستراليا وبريطانيا و التي بيت القصيد فيها هو تقليص قوة الصين الاقتصادية وتحجيم معدلات تعاملاتها التجارية في العالم، هذا التصرف جعل الدول ذات القوة و التأثير في أوربا تحديدا والممثلتان في فرنسا وألمانيا وهي تسرع الخطى نحو بناء قاعدة سياسية واقتصادية مستقلة بعيدا عن أي ضغوط أمريكية، والقصد هنا خصوم أمريكا و على رأسهم الصين وكوريا الشمالية وروسيا.يمكن التصريح بأن الاتحاد الأوربي وجد ضالة اقتصاده في توطيد علاقته مع الصين لدرجة وصول مبادرة الحزام والطريق إلى قلب أوروبا لأن نمو الصين اقتصاديا وبمعدلات غير مسبوقة أفرد لها حجم التعاملات عندما أسست لبناء شراكات اقتصادية لم تقتصر على روسيا فحسب بل انفتحت على أسواق إفريقيا. التنسيق الأمني بين أمريكا والثالوث المخيف- الصين، كوريا، روسيا . بعدما طورت بكين أسلحتها الاستراتيجية و حاملات الطائرات و اقتحمت الفضاء العسكري، تحددت الميزانية العسكرية للصين بمقدار 300 مليار دولار لهذا العام 2022وبهذا تمكنت من احتلال المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة الأمريكية، لذا نقر بالطفرة النوعية التي حققها الجهاز العسكري الصيني والكوري الشمالي عندما أحرز تقدما ملحوظا ضمن المنظومة الصاروخية العابرة للقارات والفرط الصوتية و المحمولة على عربات القطار والسيارات التي تستوعب حمولة الرؤوس النووية وكذلك قرب الانتهاء من إنشاء الغواصة النووية، بهذا تكون كوريا الشمالية قد امتلكت الذراع الطولي الذي يمتد حتى الولايات المتحدة الأمريكية مباشرة دون الحاجة إلى وسيط ، مما سيجعل الولايات المتحدة الأمريكية مهددة بالخطر في حالة أي حرب تشعلها في المنطقة ، وعلى إثره ستنتقل الحرب إلى الأراضي الأمريكية ، ولعل تصريح الرئيس كيم جونغ وون في الاجتماع الأخير لحزب العمل الكوري " بأن كوريا ستواجه الشدة بالشدة والمجابهة المباشرة " لعلها رسالة قوية لمن يهمهم الأمر لم يكن من السهل على أمريكا الانسحاب من مناطق الصراع التي بسطت سيطرتها عليها لفترة من الزمن وتمكنت خلالها خلق جو من التوتر والنزاع لا تقوم لهما قائمة في المنطقة، إلا أنها وجدت نفسها أمام خيار صعب اتخذته قصرا بعدما استنفذت طاقاتها الاقتصادية والعسكرية وهو الانسحاب من أفغانستان و العراق وسوريا تحت ضغط صيني صارخ، حتى أن واشنطن أفصحت على أن التدخلات العسكرية في مناطق الصراع لأي منطقة من العالم هدر للقدرة العسكرية والاقتصادية ومع ذلك لم تتوانى أبدا عن إعادة هيكلة تموقعها في منطقة شرق آسيا. إن عدم اكتراث واشنطن لضبط قواعد النظام الدولي ومواجهة المشاكل العالمية جعلها تجابه تحديات كبرى بوجود قوى ضاربة لم تكن لتتكهن بثقل قدراتها الاقتصادية والعسكرية في ظل تكنلوجيا عالية، لأن الصين وكوريا الشمالية دائمتا الاستنفار من الوجود العسكري الأمريكي المكثف في بحر الصين الجنوبي يقابله ذات الموقف والتصرف من الجانب الصيني الذي أثبت جدارته في قيادة المنطقة عندما تناثر لهب السباق نحو العسكرة والتسلح بتخصيص ميزانيات ضخمة بين أمريكا والصين وكوريا الشمالية للسباق نحو التسلح ، و المفارقة العجيبة أن تحالف الدول مع الولايات المتحدة مثل استراليا وبريطانيا وحتى الدول الأوروبية و التي حقيقة توافقها جوهره الصراع على تشكيل بنية النظام الدولي الجديد تنفي تماما أي تورط عسكري مع الصين. التحالفات الأمريكية تسخر ورقة حقوق الانسان والإصلاح السياسي . ولو أننا تتبعنا الدبلوماسية الأمريكية في المحافل الدولية لوجدناها دائما تلعب على ورقة حقوق الإنسان والإصلاح السياسي التي تعتبرهما صك عبور نحو التدخل في الشؤون الداخلية للدول والضغط عليها ودليل ذلك العراق وأفغانستان وهنا وقعت أمريكا في خطأ فادح عندما أشعلت فتيل الحرب بدافع تحقيق الديموقراطية، فسلسلة الإخفاقات التي توالت على الإدارة الأمريكية جعلها تفقد مصداقيتها في تحقيق أي عدالة تذكر على العالم ليس ذلك فحسب بل وتعداه إلى فقدان مكانتها السياسية في قيادة العالم لذا تحاول بكل السبل أن تخمد أي محاولة لدول تتنامى عسكريا واقتصاديا وهو ما أوضحه تحالف الديموقراطيات الذي استضافته واشنطن مؤخرا و لم يكن سوى وسيلة لعزل الصين و كوريا الشمالية و روسيا من الساحة الدولية وهو أمر صعب المنال. خاصة وأن الإدارة الأمريكية في ظل التحالفات الأمنية والسياسية والاقتصادية القائمة على المصالح النفعية والانتهازية جعلت بايدن تحديدا من بين كل رؤساء أمريكا يرسِّمُ فشله في تقليص نفوذ أو تحجيم التطور الصيني الذي يتنامى بخطى مدروسة دون أي تداعيات خلافية مع الآخر عكس أمريكا التي أعرض شركاؤها عنها بعد تواتر الإخفاقات عليها. العالم يعيش على صفيح ساخن. فعلا العالم يعيش على صفيح ساخن، بعدما أحدثته جائحة كورونا من صدمات على العالم، وتسببت في أكبر أزمة اقتصادية عالمية و بتزايد مخاطرها منذ 2019 و استمرار مضاعفات تحوراتها إلى يومنا هذا،و بعدما أشعل فتيل الحرب بالعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا و التي أماطت اللثام عن خداع الغرب والزيف الأمريكي، تمكن الرئيس الروسي بوتن على غرار الصين وكوريا الشمالية من تنفيذ استراتيجية النفس الطويل و احتمال ويلات الحرب التي وإن كانت غير مربحة بالنسبة للروس إلا أنها لن تعود عليهم بخسارة تذكر بالمقارنة مع دول الجوار ومن كان سببا في ضرب الأمن القومي للمنطقة و هو أمر غير مدروس على الإطلاق لأنه لم تقرأ له عواقب و أصبحت هناك المعادلة الإجبارية التطبيق القائمة على تهديد الأمن الغذائي في أوربا والعالم و بين القدرة الاقتصادية و العسكرية على استيعاب خسارة الحرب؛ و مع اعتماد التحالفات بين الدول تحت شعار المصلحة والاستغلال إلا أن توقع تغيير مستقبلي للجغرافية السياسية في العالم وارد وأكيد بانهيار الأنظمة وتشرذم الدول ليبقى التحالف الإنساني قوام القوة والانتصار في ظل عالم يسوده الزيف والكذب يتخذ من حقوق الانسان مطية لتحقيق مآربه الخاصة، بعدما أصبحت تلك الذريعة عصا لمن عصا، لذا علينا أن ننتبه .. خريطة العالم في الطريق إلى التغيير .