المؤتمر الثامن لحزب العمل الكوري .."المصداقية والمكاشفة .. وسياسة الصدمة" (1)

بقلم : د.يحيى خيرالله

انتظرنا طويلا المؤتمر الثامن لحزب العمل الكوري، ولم يكن لدى الاخرين يقينا في انعقاد المؤتمر في تلك الظروف الدولية المعقدة والصعبة، التي تختبأ فيها الكيانات السياسية في العالم تارة احترازا واخرى خوفا من الوباء العالمي " كوفيد 19".

قبل انعقاد المؤتمر الثامن قاد حزب العمل نضالا كبيرا يد بيد مع الشعب، ملتفين حول القيادة الكورية، لمواجهة الكوارث الطبيعية التي شهدتها البلاد، والحصار الدولي المخطط لمحاولة ايقاف الحلم الكوري، وسط كل ذلك اعلن القائد الأعلى كيم جونغ وون حرب الثمانين يوما، لينصهر ابناء الأمة الكورية في بوتقة واحدة معتمدين على الذات ، فضربوا مثلا رائعا للتحدي بفضل الفكر السياسي لحزب العمل .

حيث يُمثّل الفكر السياسي لحزب العمل الكوري أحد أبرز الاتجاهات الفكرية العريقة التي تأخذ حيزاً من اهتمام وتفكير عدد لا محدود من المفكرين والخبراء حول العالم، وخاصة بعد انتهاء المؤتمر الثامن للحزب بنجاح، حيث مثل هذا المؤتمر ثورة حزبية ملامسة للواقع، متخذة من التطوير منهجا جديدا لينبثق من هذا المؤتمر توجهات فكرية اشتراكية جديدة، تُعد ثورة في الفكر السياسي الاشتراكي الحديث ، حيث اتخذ الحزب من مواجهة الواقع وملامسته اسلوبا جديدا ليطيح بكل الافكار القديمة فيفتح افاقا فكرية حزبية جديدة ، كما اتخذ الرئيس كيم جونغ وون الامين العام للحزب من الشفافية منهجا، ومن المكاشفة اسلوبا لمواجهة المعوقات والتحديات التي وقفت حائلا امام تحقيق بعض الاهداف المرجوة بالصورة المطلوبة، والتي اوصى بها المؤتمر السابع للحزب، لقد واجه الرئيس كيم جونغ وون المجتمع الكوري بالشفافية والمكاشفة، امسك بمشرط المصداقية واحترام الشعب ليواجه كل التحديات، معلنا المسؤلية ومعبرا عن شجاعته في مواجهة التحديات جنبا إلى جنبا مع الشعب الكوري، ولعل هذا يكون اسلوبا متفردا في القيادة الاشتراكية ابدعه القائد الاعلى كيم جونغ وون ، لقد اشرنا من قبل في مقالات عدة ان الرئيس كيم جونغ وون يستخدم اسلوبا جديدا في العمل السياسي الحزبي " اسلوب الصدمة السياسية " بأن يعلن الحقائق دون مواربة أو خداع ، فيحدث ارتباك لدى الطرف الاخر الذي يجد نفسه امام اسلوب سياسي جديد شعارة " الشجاعة .. الشفافية .. المصداقية " الاسلوب الامثل لمواجهة التحديات، ومن خلف كل هذا ذراع طولى، قوة عسكرية جبارة، تحمي ذلك الاسلوب الفريد، وتصون الامة الكورية واشتراكيتها المتمحورة على الانسان .

واذا استعرضنا ما جاء في الكلمة الافتتاحية للمؤتمر الثامن نجد أن الرئيس كيم جونغ وون استعرض نتائج المؤتمر السابع بكل شفافية، واكد ان حزب العمل الكوري احرز انتصارات ستكتب بأحرف من نور في تاريخ الأمة الكورية، كما حقق الحزب بعض النجاحات ووفر الأسس العظيمة التي ستساهم على تعجيل بناء الاقتصاد وتحسين معيشة الشعب.

ومع ذلك، اعلن بكل شفافية ومصداقية أنه " رغم انتهاء فترة تنفيذ استراتيجية السنوات الخمس لتنمية اقتصاد الدولة العام الماضي، لم تتحقق أهدافها المحددة بدرجة هائلة في كافة القطاعات تقريبا".

كما أكد أن " التحديات باختلاف اشكالها قائمة في الخارج والداخل ، تلك التي تعيق وتعرقل جهودنا وتقدمنا لإحراز انتصار جديد متواصل في البناء الاشتراكي.

لم يلق كيم جونغ وون الامين العام لحزب العمل الكوري اللوم على الكوارث الطبيعية أو الحصار الظالم بل حمل الذات الكورية المسئولية في تحقيق الحلم رغم كل المعوقات ، مواجها النفس ، متخذا من العلم والمكاشفة طريقا لحل كل المشاكل، واضعا الثقة في الحزب والشعب والجيش في تحقيق الحلم الكوري من خلال تحليل الحقائق وكشف النقاب عنها، مثل ماهية الأخطاء في عملية تنفيذ قرارات المؤتمر السابع للحزب، ونوعية التقاعس عن أداء ما يمكن أداؤه، وماهية العمل الذي تم بشكل فعال أو بأسلوب شكلي، وماهية السبب في الخطأ إن وجد، وماهية العيب في التوجيه الحزبي.

إنها المصارحة والمكاشفة، أليس هذا تغيرا جذريا في السياسة الاشتراكية ، ولعلني هنا اتنبأ بأن الرئيس كيم جونغ وون سيبدع منهجا جديدا في الاشتراكية الكورية متمسكا باصالتها مجددا في روحها وشكلها وطرق تنفيذها لتواكب الواقع وتسير في ركب التطوير والتقدم ، متخذا من الانسان الكوري محورا لها كسلفه، باحثا عن القوة المكنونة في الذات للمواطن الكوري.

وقد تناول القائد الاعلى سياسة العداء الامريكي تجاه كوريا الديمقراطية، موضحا أنها زادت شراسة بدلا من تضاؤلها على الرغم من بذل الجهود وحسن النية من قبل كوريا الديموقراطية واظهار اقصى درجات الصبر لازالة التوتر في المنطقة ورغبة من كوريا في السلام في شبه الجزيرة الكورية والعالم .

ولعل تلك الكلمات تكون رسالة للادارة الامريكية الجديدة قبل تنصيبها بعدة أيام معلنا أنه لا يمكن ردع التهديدات الامريكية واحلال السلام والازدهار في شبه الجزيرة الكورية دون تعزيز قدرات الدفاع عن الدولة ، وبتلك الرساله المباشرة للادارة الامريكية القى القائد الاعلى كيم جونغ وون بالكرة في ملعب الادارة الامريكية معلنا انه حريصا على اعطاء الدبلوماسية مكانة في حل المسائل لأنها وسيلة قوية وتضمنها القوة العسكرية .

لقد استخدم هنا القائد الاعلى اسلوب " الصدمة السياسية " فاعلن بكل شجاعة موقفه وترك للطرف الاخر الاختيار، وقد ظهر ذلك جليا حين اشار للقوى المعادية "بالامبريالية العالمية" وأكد انها ما دامت باقية تمارس البطش والكيل بمكيالين في كل امورها فان كوريا تعلن التحدي وستزيد من قدرتها العسكرية أكثر وأكثر .

لقد تابع المؤتمر الثامن لحزب العمل الكوري كبار المحللين والسياسيين في العالم ، حيث اشرأبت اعناقهم ووقفوا على اظافرهم، منتظرين معرفة موقف كوريا من الملف النووي، الا أن القائد الاعلى كيم جونغ وون دون مواربة أو خداع أكد على استحداث الأسلحة النووية التكتيكية وطالب بترقية التقنية النووية لأعلى مستوى وفي آن واحد التصغير للأسلحة النووية وتخفيفها وتحويلها إلى أسلحة تيكتيكية وطالب بانتاج الرؤوس والصواريخ النووية لردع كل التهديدات العسكرية، وهنا ، يظن الغير متخصصين أن كوريا تدعو إلى إنتاج القنابل النووية لتشعل نار الحرب في العالم مما يغضب الكثير من محبي السلام ، ولعل التوضيح هنا واجب وضرورة ملحة ، إن اصرار كوريا على انتاج القنبلة النووية " للردع " وبدلا من أن نلقي باللوم على كوريا نحث الدول الكبيرة التي تمتلك قنايل نووية تبيد العالم مرات ومرات أن تكف عن تهديد الدول ومحاولة فرض الهيمنة لاركاعها من أجل مصالحها الاستعمارية في العالم وعليها أن تتخلى عن تلك الاسلحة ، ولعل الموقف الكوري يكون رسالة للعقلاء في المجتمع الدولي أن يتدخلوا لايقاف التوتر في شبه الجزيرة الكورية ليحل محله "معاهدة سلام" بين كوريا الديمقراطية والولايات المتحدة الامريكية على أن يكون الامم المتحدة والمجتمع الدولى كله شاهدا على ذلك وضامنا له .

حين نتحدث عن معاهدة سلام لوقف التوتر وسباق التسلح في المنطقة ، يدير العقلاء وجوههم ليقينهم بأن الولايات المتحدة ستطلب تخلي كوريا اولا عن السلاح النووي وتصبح فارغة اليدين وبعد ذلك تقرر، أي منطق هذا، ورغم ذلك وافقت كوريا على أن تبدأ بالخطوة الاولى ، وقامت بتفكيك منصات اطلاق الصواريخ واعلنت استعدادها أمام العالم بحسن النية ، فوجدنا الرد الامريكي فاترا غير مشجع على الاستمرار ، وكأن امريكا لا تريد حلا وسلاما لهذه المنطقة لتظل قواتها وقواعدها قريبة من الاصدقاء الاعداء الصين وروسيا .

وفي ظل انعدام الثقة بالولايات المتحدة الامريكية وسياستها العدائية تجاه كوريا الديمقراطية أكد القائد الأعلى حرصه على أن يكون مدى الصواريخ التى تنتجها كوريا 15 الف كيلو متر أي تغطي ابعد نقطة في الكورة الارضية ، وكذلك أكد على تطوير الصواريخ عابرة القارات والتي تطلق بالوقود الصلب من تحت الماء أو من على الارض ، وامتلاك الغواصة النووية والاسلحة النووية التي تطلق من تحت الماء .

كل هذا يؤكد أن كوريا تؤمن بأن لا مجابهة للقوة الا بالقوة ، وان مائدة المفاوضات التي لا يكون خلفها قوة رادعة تكون مرتعشة الارجل ، وأن مؤتمر حزب العمل الكوري الثامن يمثل علامة فارقة في تطوير حزب العمل واتباع اشتراكية متمحورة على الانسان بالمفهوم والمعني الملامس للواقع والمتطور ليواكب العالم في تطوره .

" وللحديث بقية "